شهد المركز الثقافي ابن خلدون بطنجة مساء يوم الجمعة 8 نونبر 2019، فعاليات ندوة: “استلهام التراث الشعبي في الأدب المغربي”، التي نظمها “الراصد الوطني للنشر والقراءة” في إطار معرضه الوطني السادس للإبداع والكتاب، بمشاركة ثلة من الباحثين المغاربة ومن تنشيط الباحث هشام بن الهاشمي.
انطلقت أشغال الندوة بمداخلة الباحث مصطفى يعلى الموسومة بـ«تمثلات العجيب في قصة “الغابر الظاهر” لأحمد بوزفور» تحدث فيها عن مدى حضور الروافد الشعبية في هذه القصة من طقوس واعتقادات وأمثال وأساليب وبلاغة شعبية وحوار عامي…، كما قام بتشريح مورفولوجي للبنية السردية لقصة “الغابر الظاهر”، الذي يميل أسلوبها السردي إلى محاكاة أساليب راوي الحكايات العجيبة وتراكيب الكتب المقدسة ومفردات الموروث الخارق (نار الجن، سكان المكان…)، مما ساهم في تقديم صورة مفزعة لفضاء القصة الغابوي الموحش، المملوء بالأشباح والجن والعنف والقتل والمجهول. حيث وظف القاص المعجم العامي في الحوار والسرد معا، بصورة ملائمة لنوعية الشخوص الشعبية ولمناخ الحدث العجيب، (يقفقفون، تمارة، الربيعة)، فضلا عن بلاغة التكرار (الأطفال الشجعان، دخلوا الغابة، الأطفال الصغار الجميلون الشجعان سلموا على الحصى)…، ما يدل على تقاطع القصة مع الخطاب السردي الشعبي ومرجعيتها العجائبية.
وأسهم الباحث محمد شداد الحراق بمداخلة وسمها بـ«في الحاجة إلى الثقافة الشعبية» والتي استهلها بالحديث عن الحاجة إلى فهم روح الثقافة الشعبية ووجود إرادة سياسية لحماية الموروث الشعبي وإعادة الاعتبار لمصطلح “الشعبي” وتخليصه من البعد القدحي والاستفادة من الدرس الغربي في تعامله مع الموروث الشعبي، أو من انفتاح الأدباء والفنانين الغربيين على ثقافتنا الشعبية واستلهام ما فيها من قيم ودروس ومواقف، كما تطرق في مداخلته إلى حاجة الأدب المغربي لاستلهام الموروث الشعبي، من خلال استثماره في ترسيخ هوية الأدب المغربي والتأكيد على خصوصيته، ورد الاعتبار لثقافة الشعب البسيط التي نظر إليها الغرب بازدراء، وحكم عليها بالتوحش والتخلف والدونية. ودعا في ختام مداخلته إلى ضرورة تجاوز ثنائية الأدب الراقي (أدب النخبة)، والأدب الوضيع (أدب العوام) من أجل تقليص المسافة الفاصلة بين ما هو (محلي إقليمي) وما هو (عالمي إنساني).
وتحدث الباحث عز الدين المعتصم في مداخلته المعنونة بـ«استدعاء الأمثال الشعبية المغربية في قصيدة “القلب” للشيخ عبد القادر العلمي» عن التراث الشعبي الذي يشكل رافدا حيويا للفنون المختلفة إذ يجد فيه المبدع ضالته فيوظفه في تجربته الإبداعية من أجل بلورة رؤيته الفلسفية بما يتوافق مع روح العصر وإشكالاته وخاصة الأمثال الشعبية التي تعد من أبرز عناصر التراث الشعبي. ثم تطرق إلى الحديث عن حضور الأمثال الشعبية في الشعر الملحون من خلال قصيدة “القلب”، خاصة وأن قصيدة الملحون تسعى إلى تفسير جوانب الحياة ولها قدرة على استيعاب اللغة في وظيفتها الإبداعية والتفسيرية، حيث وظف الشيخ عبد القادر العلمي العديد من الأمثال الشعبية في قصيدته توظيفا عذبا ينم عن ذوق جميل وخبرة بالصناعة الأدبية، محيطا بما يطبع مجتمعه مدركا لما يؤهله لانتقاء المثل والقول الصائب. ودعا الباحث في ختام ورقته إلى ضرورة الارتقاء بالشعر الملحون باعتباره الذاكرة الحقيقية للمغاربة نظما وإنشادا.
وقد تناول الباحث محمد أملال في مداخلته الموسومة بـ«استلهام التراث الشعبي في المسرح المغربي: مسوغات ونماذج» الحديث عن بعض المسوغات التي تجعل هذا التراث رافدا للأدب الرسمي، ومحط استثمار وتوظيف في مختلف أجناسه المعروفة من شعر وقصة ورواية ومسرحية… مشيرا إلى استلهام التراث في المسرح المغربي منذ نشأته، حيث نقف على استلهام جلي للتراث المغربي في أعمال كثيرة، من أجل إيقاظ الوعي القومي، وبعث الشعور الوطني، دعما لنضالات الشعب المغربي ضد الاستعمار. مستشهدا ببعض الشخصيات التراثية والشعبية (عبد الرحمان المجدوب في مسرحية: “ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب” للسعيد الصديقي، وشخصية “الحراز” التي أحياها الأستاذ عبد السلام الشرايبي في نص مسرحي) وما نُسج حول الشخصيتين من روايات وأقاصيص شعبية ذات أبعاد ورموز تعبر عن هموم الإنسان المغربي وتناقضاته وطموحه في المرحلة التي تلت الاستقلال، واختتم ورقته بالتأكيد على العلاقة الوطيدة بين المسرح المغربي والتراث الشعبي كوسيلة فنية لتأصيل الحركة المسرحية المغربية، وانتشالها من التبعية للشرق وللغرب.
وقد تخللت الندوة طرح مجموعة من التساؤلات والأفكار والاقتراحات من طرف الحضور، ما شكل إضافة نوعية للموضوع الذي يعتبر من الأسئلة الشائكة التي تؤرق ثلة من المهتمين بالتراث الشعبي.