في إطار فعاليات “المعرض الوطني للإبداع والكتاب” في دورته السابعة، التي نظمها “الراصد الوطني للنشر والقراءة” خلال الشهر الجاري، استضاف فندق سولازور – طنجة، مساء يوم الأحد 20 يونيو 2021، ثلة من الباحثين والمبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي، للإسهام في أشغال ندوة: “الشخصية التراثية في الكتابة المسرحية الحديثة” التي عرفت مشاركة: د. محمد صولة، وذ. سعيد موزون، وذ. أحمد السبياع، وذ. عبد الحكيم جابري، تنشيط: ذ. المصطفى كليتي.
وقد افتتحت الندوة بورقة للباحث محمد صولة وسمها بـ «مدلول الشخصية التراثية في النص المسرحي المغربي»، تناول فيها تمثلات الشخصية التراثية في المسرح المغربي من خلال مجموعة من الأعمال المسرحية مثل “امرؤ القيس في باريس” لعبد الكريم برشيد و”امرأة.. قميص.. زغاريد” لمحمد مسكين، كما تحدث في ورقته عن مفهوم الشخصية في المسرح التجريبي التحديثي التي تم تمثلها من خلال علاقاتها بمكونات العرض المسرحي، ولهذا اعتبرت امتدادا جماليا مغايرا في الذاكرة، وانعكاسا داخليا لذاته، وعلامة دالة وحية في تفاعلها مع المتلقي/ الجمهور، مستشهدا بمجموعة من الأعمال المسرحية مثل: “أساطير معاصرة” لمحمد الكغاط، و”ماض اسمه المستقبل” لمحمد تيمد، وخلص في نهاية ورقته إلى أن توظيف التراث في المسرح لم يكن محض صدفة، بل نتيجة تحققات معرفية ورغبات بحثية فردية وجماعية، ارتبطت بالتأسيس والتأصيل والتجريب عرفتها المرحلة سياسيا وثقافيا وفنيا وجماليا؛ لذلك يمكن ملاحظة أن جل المسرحيين المغاربة في السبعينيات بالخصوص، تمثلوا استثمار المكونات التراثية المحلية والعربية والإنسانية من مختلف المشارب الثقافية للتعبير عن القضايا المصيرية.
وتناول الباحث أحمد السبياع في ورقته الموسومة بـ «أبو العلاء المعري في المسرح “الخروج من معرة النعمان” للمسكيني الصغير نموذجا» عتبة العنوان، ثم انتقل للحديث عن شخصية أبي العلاء المعري في النص المسرحي، والشخصيات الأخرى مثل مساعد العميد والعميد ومسؤول الإحصاء وهي شخصيات تتحدث بغير لسانها مما جعلها شخصيات ضعيفة بلا هوية الأمر الذي أبرز شخصية أبي العلاء المعري التي كانت أهم من الشخصيات الأخرى، بل أهم من القصة والحدث والصراع كذلك. وختم ورقته باستنتاج مفاده أن المسكيني الصغير عمد في مسرحيته “الخروج من معرة النعمان” إلى حياة الشاعر أبي العلاء المعري فمسرحها، محتفظا بجل السمات النفسية والخارجية لهذه الشخصية التراثية، محدثا بعض التعديلات على مجريات حياته، كل ذلك في شكل مسرحي ينشد التجديد ويهدف إلى توظيف هذه الشخصية التاريخية والتراثية لغايات ترتبط بالحاضر ولأهداف تصب في الحياة المعاصرة.
وتطرق الباحث سعيد موزون في ورقته الموسومة بـ «صيغ اشتغال الشخصية التراثية في مسرحية “خروج ابن عربي” للمسكيني الصغير» إلى جدل تثاقف التراث في الفرجة المغربية مع الدراماتورجيا الغربية المعاصرة، ثم تحدث عن الشخصية والعلامة الصوفية في المنجز المسرحي في العمل المدروس، إذ تظهر شخصية ابن عربي باعتبارها شخصية تراثية تخرج من التاريخ والماضي تتحرك كذات فاعلة تبحث عن صيغة للتعايش مع الواقع من حولها؛ إذ تخرج الشخصية من الماضي لتجسد لغة الرفض والتمرد على الواقع المعاصر. كما تحدث عن الشخصية باعتبارها من أهم العناصر النصية في بناء الفعل المسرحي ولا يستغنى عنها الكاتب المسرحي لحظة الكتابة الدرامية والركحية، ولا يمكن فهمها داخل النص إلا من خلال مدلول الشخصية والشخصية التراثية/ الدرامية والكلام المسرحي؛ إذ تظهر المسرحية -حسب الباحث- شخصية ابن عربي في صورة الإنسان المهمش والمضطهد في اختياراته الفكرية والثقافية فتتحرك في النص وهي تمارس الفعل المسرحي بكلامها وانفعالها وحركاتها الشخصية. وخلص إلى أن شخصية ابن عربي حضرت في المسرحية لتجسد نموذج الشخصية التراثية المتعددة والمتجددة في الزمان والمكان، باعتبارها علامة مسرحية منفتحة على سجل تأويلي عابر للتاريخ والتراث.
في حين شارك الباحث عبد الحكيم جابري بورقة عنونها بـ«استدعاء الشخصيات التراثية في المسرح الاحتفالي “ابن الرومي في مدن الصفيح” لعبد الكريم برشيد نموذجا» استهلها بدواعي استدعاء الشخصية التراثية، والتي حددها في إضفاء الجمالية المرغوبة على العمل الأدبي، وأضاف أن هناك عوامل كثيرة تجعل الأدباء يلجؤون إلى تقنية الاستدعاء، منها عوامل فنية تتجلى في إحساس عبد الكريم برشيد وجماعته من مؤسسي المسرح الاحتفالي بغنى التراث والحاجة إلى استغلاله وتوظيفه باعتباره معينا لا ينضب، وحين توظيف هذه الشخصيات التراثية يكون المسرح الاحتفالي قد أضفى نوعا من الأصالة الفنية من خلال البعد التاريخي الذي تلبسه هذه الشخصية ودلالاتها الزمنية. كما تحدث عن تقنيات استدعاء الشخصيات التراثية من خلال شخصيات المسرحية التي تنقسم إلى شخصيات تراثية: “ابن الرومي، عريب الجارية، الرباب بائعة الجواري، حبابة الجارية، ابن دانيال، دنيازاد ابنته، وشخصيات واقعية: مقدم الحي، دعبل الأحدب، عيسى البخيل، سعدان الكاتب العمومي، رضوان العامل، حمدان الشاعر وغيرهم. وأكد الباحث على أن الشخصيات التي استدعاها عبد الكريم برشيد في مسرحيته هي شخصيات تاريخية قدمت وظيفة جمالية ورمزية، إذ أعادها ابن الرومي إلى الحياة وقد أضفى عليها صفات نعيشها في عصرنا الحالي. كما استدعى شخصية عريب بنوع من التخييل عندما جعلها تتنقل بين المدن وهي التي كانت تستقر في الماضي ببغداد. وكذا نقل مهمة الحكي إلى شخصية دنيازاد أخت شهرزاد إذ جعلها تلعب دور الراوي للحكايات. وخلص الباحث في ختام ورقته إلى أن شخصيات المسرحية لعبت أدوارا في فضح الواقع المعاصر الذي نعيشه، شخصيات قادمة من تراثنا المزدهر المتقدم آنذاك، قادمة إلى واقع صفيحي متسلط.
وبعد الاستماع إلى الأوراق التي تقدم بها الباحثون، فتح باب النقاش أمام الحضور النوعي الذي تشكل من الباحثين والمبدعين والتلاميذ والطلبة، فأسهموا بدورهم في إغناء الندوة بأفكارهم وأسئلتهم.