في إطار فعاليات “الملتقى الوطني الثاني للقصاصين الشباب” (دورة مليكة نجيب وعبد الجبار السحيمي)، نظّم “الراصد الوطني للنشر والقراءة” ندوة تحت عنوان: “الجوائز الأدبية بين القيمة والرهان”، يوم الأحد 18 يونيو 2023، بالخزانة الجهوية، القنيطرة، بمشاركة: القاص المصطفى كليتي، والناقد محمد صولة، والناقد سعيد الفلاق، والشاعر جواد المومني الذي ترأس الندوة.
افتتحت الندوة بورقة «المنعطفات الإيجابية والسلبية للجوائز الأدبية» للقاص المصطفى كليتي، تحدث فيها عن أهمية الجوائز، وما تخلقه من حركة ونشاط في الإنتاج الأدبي وترويج سوق الكتاب، وهو ما يحفّز الأقلام المتبارية ويدفعها للتنافس قصد نيل قطوف الجائزة بعائداتها المادية المغرية وامتداداتها الرمزية والمعنوية، كما أشار إلى أن الجائزة بحد ذاتها دعاية للمبدع، وتفتح له الأبواب على مصراعيها للنشر وإعادة الطبع، وقد يتعدى ذلك إلى حظوة النشر بلغات متعددة بواسطة الترجمة. وقد تساءل القاص المصطفى كليتي عن قيمة ورهانات هذه الجوائز، وعن الإضافات التي تقدمها للمشهد الثقافي والأدبي، وهل الجوائز حقيقية أم مجرد دوافع مفبركة لمؤسسات معينة، ولا سيما أن أغلب الأعمال المتوجة تخضع لمواصفات سوسيو ثقافية وبوصلة سياسية محددة. وتساءل أيضا عن دور “الخلجنة” في شيوع ظاهرة الجوائز الأدبية، وإلى أي مدى تكرس الجوائز الأدبية الرؤية المؤسساتية، بغض النظر عن القيمة الفنية الإبداعية؟ وهل الشروط والحيثيات التي تخضع لها الجوائز لا تحد من حرية الكاتب واستقلاليته؟ كما أكد في ورقته أن في كثير من الأحيان تتوارى الأعمال السوية في خضم الأعمال الرديئة في حمأة المنافسة، وأن الجوائز الأدبية لا تُعدّ دليلا على الجودة والتميز، بل قد تُثير بعض الأعمال شكوكا وانتقادات قاسية، مما يجعل أصابع الاتهام والتواطؤ تتجه للجن التحكيم وتطعن في حيادها وبراءتها .
وقد شارك الناقد محمد صولة بورقة عنونها بـ«الجوائز الأدبية والثقافية: عالميا وعربيا وأسئلة النشر والتوزيع والإنتاج والقراءة (قراءة وصفية تأريخية)»، أكد فيها أن الحديث عن الجائزة بصيغة المفرد والجمع هو إشارة دالة، على فرصة عبور من لحظة إلى أخرى، قد تكون خصيصتها وضعية مادية أو اعتبارية رمزية، والجائزة قيمة مضافة تمنح للفرد أو الجماعة، لما يقدم من أعمال تتلخص في تقييم عام للتجربة عبر معايير يمكن الاتفاق عليها مسبقا في إطار لجنة مختصة وعلمية محكمة، وبين الناقد محمد صولة في ورقته أن القيام بتوصيف تأريخي للجائزة في العالم، يقتضي أن نقف على تراكم إبداعي ونقدي وفكري كبير يستدعي منا النقاش والتحليل، فلكل دولة جوائزها، وللجوائز المختلفة والمتنوعة قيمة في مرحلتها، وترتبط بالعمل الذي يقدمه الفائز. كما عرج على أهم الجوائز العالمية والعربية المعروفة، كجائزة نوبل، وجائزة بوليتزر للسرد، وجائزة الشارقة للإبداع العربي، وجائزة كتارا، وجائزة المغرب للكتاب، وجائزة رونق للقصة… وأشار في ذات السياق إلى أن أهداف الجائزة هي إحداث حراك ثقافي متنوع، وتنشيط حركة النشر، والترويج الإعلامي، وكذلك اهتمام القراء بالمتوجين والمتوجات، ودفع الناشر إلى طبع المزيد من الإصدارات، والمساهمة في القراءة والانتشار والتعرف، والتحفيز على اقتناء الأعمال الفائزة، ثم ترجمة الكتاب الفائز إلى لغات كثيرة.
أما الناقد سعيد الفلاق، فقد أعرب في ورقته التي وسمها بـ«الجوائز الأدبية تكليف أم تشريف؟»، عن إيمانه بأنّ الجوائز قيمة إضافية للإبداع الأدبي والنقدي العربي؛ لأن الجائزة تمثل اعترافا من مؤسسة ما، وهي اعتراف بقيمة وجدوى الكتاب، لذلك فإن حصول أي كاتب على جائزة كيفما كان نوعها هو مدعاة للفخر. ثم أشار إلى أن الجوائز تطرح إشكالات مختلفة تتعلق بطبيعة معايير لجنة التحكيم ومسار التحكيم، وسؤال الاستحقاق الأدبي، وصعوبة التخلص من الميولات الذاتية، لكن يجب فقط التقليل منها لخدمة الجائزة كما أن تنوع قناعات اللجنة ومرجعيات أعضائها يمكن أن يسهم في تحقيق التكافؤ اللازم. كما اعتبر الناقد سعيد الفلاق الجائزة تكليفا أكثر ممّا هي تشريف؛ لأن الجوائز مجرد نقطة البداية من أجل البدء في المشروع الشخصي وتحقيق نتائج جيدة أخرى. ثم وضح أن الاكتفاء بالجائزة لوحدها دون تطوير للذات والمنتوج يعد نهاية مأساوية، ولا يعني الحصول على الجائزة صناعة كاتب ناجح، كما أنها ليست شيكا على بياض، الجائزة امتياز ينبغي أن يستثمر فيما هو أفضل.
وبعد الاستماع إلى الأوراق الثلاث، فتح باب النقاش أمام الحضور النوعي الذي شكلت تدخلاته وأسئلته إضافة نوعية إلى ندوة “الجوائز الأدبية بين القيمة والرهان”.