في إطار فعاليات “المنتدى الثاني للقراءة والإبداع”، وبتنسيق مع “مؤسسة آفاق للدراسات والنشر” بمراكش، نظم “الراصد الوطني للنشر والقراءة”، مساء يوم الأربعاء 14 دجنبر 2016، ندوة: «تمثل المرأة في الرواية المغربية: رواية “نوميديا” للروائي طارق بكاري نموذجا»، بحضور ثلة من المبدعين والنقاد والمهتمين الذين أثثوا فضاء مكتبة آفاق – مراكش.
وافتتحت الروائية حليمة الإسماعيلي فعاليات الندوة، بتقديم نبذة عن الرواية المغربية ورواية “نوميديا” للروائي طارق بكاري، ثم تناول الكلمة الأستاذ عبد القادر عرابي (مدير المؤسسة) رحب فيها بالراصد الوطني للنشر والقراءة، والمبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي، معربا عن فرحته بهذا اللقاء الإبداعي الذي يندرج ضمن فعاليات المنتدى الثاني للقراءة والإبداع، مؤكدا على استعداده الدائم لدعم مختلف الأنشطة الثقافية التي تسعى إلى ترويج الكتاب المغربي والتشجيع على القراءة. وفي كلمة باسم “رونق المغرب” شكر الأستاذ رشيد شباري مؤسسة آفاق على التعاون والمساهمة في تنظيم هذه الندوة، كما شكر الأساتذة الباحثين والحضور النوعي الذي لبى الدعوة، مشيرا إلى دواعي تنظيم المنتدى الثاني للقراءة والإبداع.
وقد عرفت الندوة مساهمة الباحث عبد الرزاق المصباحي (الصويرة) بورقة نقدية وسمها بـ«التمثل المقارن، النزعة الذكورية بين “نوميديا” و”الملهمات” لفاتحة مرشد» تطرق فيها إلى مقارنة بين روايتي “نوميديا” لطارق بكاري و”الملهمات” لفاتحة مرشد، حيث اعتبر إدريس (بطل الملهمات) ومراد (بطل نوميديا) ساردين يتحكمان في أصواتية الروايتين ويجسدان تمثلا سالبا عن المرأة، الأول (إدريس) باستغلالها لتحقيق إلهام إبداعي كما جاء في علاقته بالكاتبة الناشئة ياسمين وما يطبعها من حضور قوي لمنطق الفحولة واستثمار الآخرين لخدمتها ومساعدتها على أداء مهمتها ورفض تبادل الأدوار في أنانية فاضحة، والثاني (مراد) في الإغواء الشهرياري الذي يخفي شرخا سيكولوجيا هائلا، وهذا ما نجده في المذكرات التي تركتها خولة (حبيبة مراد)، وما يطبع علاقتهما من إذاية وتجبر فمراد ظفر بخولة واستغلها بمسميات الثقافة والحب والأستاذية. ويضيف الباحث عبد الرزاق المصباحي أن منطق الفحولة يتعطل في علاقة البطلين بالمرأة الغربية من خلال علاقة إدريس برجينا في “الملهمات” التي تعكس انتماء رجينا إلى ثقافة غربية متحررة قائمة على المساواة، تلغي الأفضلية القائمة على الجنس والمكانة الاجتماعية التي تعطي السلطة للرجل كما هو الحال في الثقافة العربية، وعلاقة مراد بجوليا في “نوميديا” التي تمكنت من استغلال مراد تحت غطاء الحب، وإن كان صوت مراد طاغيا معلنا الشكوى من الآلام والخراب المحدق به والرابض في روحه.
وفي مقاربته لتمثل المرأة في رواية “نوميديا” للروائي طارق بكاري، تحدث الباحث سعيد موزون (تنغير) عن اندراج النص الروائي ضمن استراتيجة التماهي الحكائي التي تنبني على سرد الأحداث بأكثر من طريقة، وينفلتُ من قبضة السارد العليم والنمو المنطقي لنظام السرد والشخصيات، ليغوص في تناسلات لامتناهية للسرد والبرامج السردية والوحدات السردية، مشيرا إلى شخصية المرأة وعلاقتها بالشخصية المحورية مراد، من خلال تجاذبات الشخصيتيْن واندماجهما لتفصحا معا عن الإشكالات والتعقيدات والتناقضات القابعة في الذات الإنسانية، والتشكل المعماري للشخصية وتعالقها مع المرجع الواقعي، علاقة يهيمن عليها خطاب الذاكرة والألم حيث ميز الباحث في هذا الصدد بين ألمين: الألم النفسي مأتاه الأول ذكرى الأم الغائبة وجدانيا وجسديا؛ الأم المجهولة وذكراها المشؤومة لدى مراد، باعتبارها السببَ الأكبر لانكسار ذات الشخصية المحورية وإحساسِها بالعزلة النفسية الأبدية، والألم الجسدي المتمثل في ذكرى جسد مراد نفسِه، وتضايقه من شكله وجسده، ومقته له حتى وهو يتأمل ذاته في لحظات التماهي الحميمية والتحامه بالمرأة العشيقة/العاشقة. إضافة إلى علاقة اللاتوازن العاطفي المضمر بين الشخصية المحورية ونساء الرواية والذي يتجسد في: حب خولة، حب نضال، حب جوليا، حب نوميديا. كما تحدث في ورقته عن سيمياء جسد المرأة وعنف المتخيَّل، معتبرا كل مظاهر الأنوثة والامتلاء وصخب الشهوة المحمومة، والشبق الجنسي الذي ليس له دافع، فهو شبقٌ مندفع جامحٌ وهَصور لا تقوى الذات الساردة على رده أو إيقافه أو تأجيله، إلى حدّ أن يُرغَمَ الساردُ على نسيان خولة رغم وخزات الضمير وصحوته المتأخرة التي تأتيه أحيانا وتذكره بخيانته لخولة. وتعبر الرواية حسب – الباحث سعيد موزون – انفتاح على عوالم متعددة، وتتبنى التجريب كاستراتيجية نصية تقوم على البحث عن صيغ جديدة في القصّ واستحداث أشكال مبتكرة في الحكي ويتم استبدال النص الخطي المتجانس بنص مليء بالشروخ والانقسامات والانعراجات، أي بنص لا يخضع لمبدأ المعقولية والانتظام الذي كان يحكم الرواية من قبل، قدر ما يخضع لمبدأ الانقسام واللاتجانس.
وفي كلمة بالمناسبة شكر الروائي طارق بكاري الراصد الوطني للنشر والقراءة ومؤسسة آفاق على الاحتفاء بروايته “نوميديا” كما حيى الحضور الذي لبى الدعوة، ثم تحدث عن تجربته الروائية وعن العوامل المؤثرة في أحداثها، كما تحدث عن وصول روايته إلى اللائحة القصيرة لجائزة البوكر لسنة 2016، وكذا حصولها على جائزة المغرب للكتاب في السنة نفسها، ما ساهم في إشعاع الرواية وتوسيع قاعدة قرائها. ثم فتح باب النقاش أمام الحضور النوعي الذي ساهم في إغناء موضوع الندوة، واختتمت الندوة بتوقيع الرواية “نوميديا” على إيقاع الصور التذكارية.